حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن بالدساتير الأجنبية - بحث حول حقوق الطفل في الدستور
- الحوار المتمدن - العدد: 2678 - 15/6/2009
خطة البحث
مقدمة
1 – الأحكام الدستورية العربية التي قررت رعاية الأسرة.
2 – الأحكام الدستورية العربية التي قررت حقوق الطفل نصاً في إطار الحكم بأن الأسرة أساس المجتمع أو خليته الأولى.
3 – الأحكام الدستورية العربية التي قررت أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق.
4 – الأحكام الدستورية العربية التي قررت حقوق الطفل ورعاية الأمومة والطفولة دون النص على أن الأسرة الخلية الأولى للمجتمع أو ساسه.
خاتمة
وهي كالتالي
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن بالدساتير الأجنبية
مقدمة حقوق الطفل في الدستور
تمهيد
تندرج حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي والأجنبي في إطار الأحكام الخاصة بالأسرة عموماً والأمومة خصوصاً، ومرد ذلك نشأة الأطفال في محيط الأسرة والأم والأب والإخوة.
أتت حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي والأجنبي في نطاق المذهب الاجتماعي في الفقه الدستوري، هذا المذهب الذي تقوت مدرسته في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في العالم، وتأثير هذه المدرسة على التشريع الدستوري العربي منذ خمسينيات القرن العشرين.
وبذلك يكون المذهب الاجتماعي في الفقه الدستوري قد أتى كامتداد للأفكار الاجتماعية المعارضة للمذهب الفردي في الفقه الدستوري الذي نشأ في القرن الثامن عشر في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية فيما بعد، وفي ظل الرأسمالية الصاعدة آنذاك.. حيث أكد المذهب الفردي في القانون الدستوري النص على الاهتمام بحرية التجارة وحماية البلاد من العدوان الخارجي وحماية النظام السياسي من التمرد داخل البلاد. وكانت مبادئ هذا المذهب متسقة مع نمو الرأسمالية الصاعدة في عدد من الدول الأوروبية والأمريكية.
وبعد تطور الرأسمالية إلى الرأسمال المالي وقيام الاحتكارات في بداية القرن العشرين وما جلبه من بؤس وشقاء على الطبقات الشعبية من جهة، وقيام ثورة أكتوبر في روسيا من جهة أخرى، وتعزيز نضال الطبقات الشعبية ومطالبتها بتحسين أوضاعها من جهة ثالثة، أدى كل هذا إلى تراجع السلطة الحاكمة عن كثير من مبادئ المذهب الفردي في الفقه الدستوري، وانتشار المذهب الاجتماعي في الفقه الدستوري في كثير من بلاد العالم بما في ذلك البلدان العربية.
ويرجع انتشار المذهب الاجتماعي في الفقه الدستوري إلى توازن القوى على مستوى العالم بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي وازدياد نفوذ القوى المناهضة للفقر والجهل.
وبعد انتشار الوعي بين فئات واسعة من المجتمع، في ظل نظريات سياسية واجتماعية جديدة من أجل العدالة.
سنتطرق في هذا البحث إلى تطور حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي ومقارنته بالتشريع الدستوري الأجنبي إلى هذا الحد أو ذاك.
ونود أن نشير قبل المقارنات إلى أن حقوق الطفل قد أتت في التشريع الدستوري العربي والأجنبي في إطار حقوق الأسرة والأمومة، ومن أجل توضيح ذلك سنقارن النصوص الدستورية الخاصة بحقوق الأسرة والطفل.
وبما أن الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع واللبنة الأساسية فيه، اعتبر كثير من المفكرين أن أول مجتمع تشكل في صورة الأسرة، التي تتكون من عدد من الأفراد الذين تجمعهم المصالح المشتركة وروابط القربى المتينة.
ولما كانت الأسرة من الأهمية بمكان، فقد أولاها الرسل والمصلحون والحكماء والمفكرون أهمية كبيرة.
ورغم تغاير مفهوم الأسرة بين حين وآخر وارتباطه بتغير حياة المجتمعات ودرجة تطورها، فقد حصر المجتمع المدني الأسرة بعدد قليل من الأفراد (الأب والأم والأطفال)، ونظمت التشريعات المدنية والشخصية على حقوق الأسرة وواجباتها، وفرض واقع الحياة الحديثة المعاصرة وتعقيداتها إدراج الأسرة والطفل في التشريع الدستوري المعاصر، نظراً لأهمية هذا الموضوع، ولأن كثير من معايير أخلاق الطفل ترجع إلى التنشئة والبيئة التي خلق فيها من جهة، وإلى الوسط الذي يترعرع فيه الطفل من جهة أخرى، فإنه يبقى تأثير الأسرة على الفرد كبير، سواء كان طفلاً أو شاباً أو كهلاً أو شيخاً في التأثر بها والتأثير عليها.. سنقسم هذا البحث في الأرقام التالية:
1 – حقوق الطفل في الأحكام
الدستورية العربية التي نصت على حقوق الأسرة.
يرجع النص القانوني على حقوق الأسرة والطفل في الدساتير العربية إلى خمسينيات القرن العشرين، وكان الدستور السوري لعام 1950م، أول دستور عربي يقرر هذه الحقوق وذلك لأن المشرع الدستوري العربي أدرج هذه الحقوق في النصوص الدستورية لأهميتها وبسبب أن كثيراً من مقومات تربية الأفراد وسلوكهم تستند على المفاهيم والسلوك القائم في الأسرة.
وأتى التشريع الدستوري العربي بهذا الخصوص في إطار تطور التشريع الدستوري العالمي الذي سبقه في هذا المضمار.
الأحكام الدستورية العربية التي قررت رعاية الأسرة :
قررت أحكام 32 دستوراً عربياً رعاية الأسرة (نصت بعضها على رعاية الطفولة أيضاً). وهي دساتير سوريا لأعوام 1950م ، م1953، 1962م، 1964م، 1969م، 1973م، ودساتير مصر لعام 1956م، و ج. ع. م لعام 1964م، وج.م.ع لعام 1971م. ودساتير العراق لأعوام 1964، 1968، 1970، 2005، ومشروع دستور المملكة العربية السعودية لعام 1961، ومشروع دستور العراق لعام 1989م ودساتير دولة الإمارات العربية المتحدة لعام 1970، وقطر لعامي 1971، 2003م والبحرين لعامي 1973، 2002م، وسلطة عمان لعام 1996م، والجزائر لأعوام 1963، 1976 ، 1989، 1996، والسودان لأعوام 1973، 1998، 2005م.
وبالمقابل صمتت عن النص على رعاية الأسرة.. إلخ، أحكام 40 دستور عربي في الفترة الواقعة بين منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وحتى أواخر أربعينيات القرن العشرين، والأحكام الدستورية التي صمت عن ذلك هي عهد الأمان التونسي لعام 1856م ودستور تونس لعام 1861م ودستور تونس لعام 1959. ودستورا سوريا لعامي 1920م، 1930م. والعراق لعامي 1925، 1958 وقانون إدارة الدولة العراقية لعام 2004م والاتحاد العربي لعام 1958 ومصر لعامي 1923، 1930، والميثاق المقدس لعام 1948م في اليمن المستقل ودساتير لحج لعام 1952م، ومستعمرة عدن لعام 1962م وج.ع.ي لعامي 1965و 1967م، والأردن لأعوام 1928، 1947، 1952، وفلسطين لعامي 1921، 1931م، ولبنان لعام 1926، والسودان لأعوام 1953، 1956 ، 1956، 1964 ، 1985، وطرابلس وبرقة لعام 1919م، ودستور برقة لعام 1951م وليبيا لعامي 1952، 1963 والمغرب لأعوام 1962، 1970، 1971، 1992، 1996م، ودستور ج.ي لعام 1990م.
تغايرت الأحكام الدستورية العربية التي قررت رعاية الأسرة من النص على أن الأسرة هي الركن الأساسي للمجتمع وهي في حمى الدولة، تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه، وتزيل العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه في دساتير سوريا لأعوام 1950، 1962م، (م32)، و1964 (م20).
وإذا قارنا الأحكام الدستورية المذكورة أعلاه بدساتير أجنبية بهذا الشأن نجد أن 112 دستوراً أجنبياً قد قررت هذا الحق وصمتت عن النص عنه أحكام 77 دستور أجنبي من جهة، وإن الدساتير التي قررت حماية الأسرة قد اتفقت بذلك مع الدساتير السورية والعربية السابقة.
1 – الدساتير الأجنبية التي قررت حماية الأسرة:
لقد اكتفت أحكام دساتير دول أوروبية بالنص على الأسرة أو الزواج.. إلخ، مثال ذلك نصت الفقرة 1 من المادة 22 من دستور قبرص لعام 1960م على أن:
1 – كل شخص بلغ السن الضروري للزواج، يتمتع بحق حرية الزواج، وإنشاء أسرة وفقاً لما تنطبق على الشخص المذكور أحكام هذا الدستور والتشريعات الخاصة بالزواج.
واقتربت أحكام دستور أمارة موناكو لعام 1962م من الدستور السابق في عدم تقرير الطفولة في نصه على أن يتمتع مواطن موناكو بمساعدة الدولة في أحوال الحاجة والبطالة والمرض والإعاقة والشيخوخة والأمومة. يحدد القانون الشروط والأشكال الخاصة بذلك (م 26) وانحصرت أحكام مجموعة من الدساتير الدول الأوروبية على النص على الأسرة وينتمي إلى هذه المجموعة دستور رومانيا لعام 1991م، وذلك لانحصار أحكامه على النص بأن : تحترم السلطات العامة وتحافظ على الحياة الحميمة الخاصة بالأسرة (ف 1 م 26).
ويعتبر دستور اندورا من الدساتير التي أوجزت في هذا الشأن وذلك بنصه على أن:
1 – يحدد القانون القواعد الخاصة بالزواج والحالة المدنية للفرد.
2 – تعمل السلطات العامة على حماية الأسرة ودعمها لأن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع.
وقد انحصرت أحكام دستور فرنسا لعام 1848م في النص على الرفاهية والتعاون الأخوي بين الأفراد في الفقرة 2 من الرقم 7 كما يلي:
يتطلع كافة المواطنين إلى الرقابة العامة والتعاون الأخوي فيما بينهم والنظام العام والالتزام بالقواعد الأخلاقية والقوانين المكتوبة التي يدار بموجبها المجتمع والأسرة والفرد.
وتنتمي إلى هذه المجموعة أحكام دستوري رومانيا لعام 1965م والمجر لعام 1949م، المعدل عام 1972، حيث اقتصرت أحكامهما في النص على أن للمرأة نفس الحقوق التي للرجل وتصون الدولة الزواج والأسرة وتحمي مصالح الأسرة وتحمي الشباب وتطورهم جسمانياً وعقلياً (م 236 – 24). وقضى دستور المجر لعام 1949م، المعدل عام 1972 بأن للمرأة والرجل نفس الحقوق وتكون هذه المساواة في العمل والراحة (م62).
ولم يشذ عن ذلك دستور ألبانيا لعام 1976 في نصه على تحرر المرأة من الاضطهاد السياسي والاستغلال الاقتصادي، ولها نفس الحق الذي للرجل في العمل والمكافأة والراحة والضمان الاجتماعي والتعليم في جميع النشاطات الاجتماعية والسياسية وفي الأسرة (م41)
وإذا كانت الدساتير السابقة قد نصت على أن الزواج أساس الأسرة ومساواة الزوجين وتشجيع المرأة في جميع مجالات الحياة في دساتير رومانيا لعام 1965 (م23، 24)، والمجر لعام 1949م، المعدل عام 1972 (م62)،وألبانيا لعام 1976 (م41)وألمانيا الديمقراطية لعام 1968 (م20 ف 2).
فإن دساتير الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية قد قضت بنصوص متشابهة أو متقاربة، تمثلت في مساواة الرجال والنساء أمام القانون والزواج والأسرة هما الأساس الطبيعي والأخلاقي للمجتمع البشري وهما موضوعان تحت الحماية الخاصة للدولة، وعلى الدولة والمجتمع واجب مشترك هو السهر على الصحة الجسمانية والأخلاقية للأسرة وتشجيعها اجتماعياً، وللوالدين حق طبيعي وواجب أساس في تربية أولادهما ومنحهما أفضل الإمكانات الجسمية والعقلية والأخلاقية في ديباجة دستور أفريقيا الوسطى لعام 1960م، ودستور السنغال لعام 1960 (م14 – 15) والجابون لعام 1960 (ف9،10) ، ومدغشقر لعام 1959 (الديباجة) والكمرون لعام 1960م (الديباجة) والكنغو برازافيل لعام 1963 (م11) وتوجو لعام 1963 (م14)، ورواندا لعام 1962م (م3).
والدساتير الأجنبية التي صمتت عن النص على الأسرة والطفل، هي الدساتير الأوروبية التالية:
دساتير فرنسا لأعوام 1793، 1795، 1799، 1812، 1830، 1958 والميثاق الدستوري البولندي لعام 1815م ودستورا بولندا لعامي 1926و1935 ودساتير السويد لعام 1809م والنرويج لعام 1814م وبلجيكا لعامي 1831، 1971م، وإيطاليا لعام 1848م وليوكسمبورج لعام 1867م وموناكو لعام 1911 وليخنشتين لعام 1919م وفنلندا لعام 1919 واليونان لعام 1911م، المعدل عام 1952م وروسيا الاتحادية لعام 1918م ورومانيا لعام 1923 وليتفا لعام 1922م والاتحاد السوفيتي لعام 1924م وإسبانيا لأعوام 1938،1942،1947، ومالطا لعام 1964م وهولندا لعام 1983.
وصمتت عن النص على ذلك دساتير دول آسيا التالية: القانون الأساسي العثماني لعام 1876م ودساتير اليابان لعام 1889م، وتركيا لعام 1924م وإيران لعام 1906م والصين لعام 1931م وأفغانستان لعام 1931م، وسيام لعام 1932م وتايلند لأعوام 1959، 1991، 1997 والفلبين لعامي 1935، 1997، وكمبوديا لعام 1947م، ولاوس لنفس العام وبورما لعام 1948م وسيلان لنفس العام والهند لعام 1949، وباكستان لعامي 1956، 1973م، وتايوان لعام 1946م، وكوريا الجنوبية لعام 1948م.
وصمتت عن النص على ذلك من دساتير دول الأمريكيتين كل من دساتير الأرجنتين لعام 1853، 1994م وكولومبيا لعام 1886م، ودستور المكسيك لعام 1917م، والبرازيل لعام 1946م، وبوليفيا لعام 1947م والدومنيكان لعام 1950م ويامايكا لعام 1962م وجرينادا لعام 1983م وترينداد وتيوياجو لعام 1976م، وياربادوس لعام 1966م، وسنتالويس لعام 1978ك وستنافست لعام 1979م وست كنيست لعام 1983م وانتجوا لعام 1981م، وجزر البهاما لعام 1973، ورابطة الدومنيكان 1978م والميثاق الكندي للحقوق لعام 1982م.
كما صمتت عن النص على ذلك دساتير دول أفريقية منها دساتير إثيوبيا لعام 1931م وليبيريا لعام 1955م وغينيا لعام 1958م ونيجريا لعام 1960م، وسيراليون لنفس العام، وأوغندا لعام 1962م وكينيا لعام 1963م، وتنزانيا لعام 1964م، وملاوي لعام 1964م وروديسيا لعام 1964م وزامبيا لنفس العام ومالي لعام 1959م المعدل عام 1960م والنيجر لنفس العام وساحل العاج لعام 1961م.